الجمعة، 16 يونيو 2017

أفعالنا بين السلب والإيجاب 2

أفعالنا بين السلب والإيجاب
الحلقة الثانية ..
بقلم : د . أحلام الحسن
الضمير البشري ..

الضمير لغة  :
الضّمير في اللغة هو اسمٌ مشتقٌ من الفعل أضمر ، بمعنى أنّه شعورٌ وجدانٌ خفيٌ ، في قرار الإنسان لا يعلمه الآخرون ،" إلاّ إذا أفصح صاحبه عنه " بقولٍ أو فعل ، وهو عاملٌ موجودٌ عند البشر للتفريق به بين الحق والباطل ، والصواب والخطأ .

الضّمير اصطلاحا :
وكما يقول علماء الأعصاب بأنه إحدى الوظائف الدماغيّة والقابلة للتطوير من خلال المبادئ والقيم والدين فهو بمثابة الميزان البشري للوجدان والحس والوعي .

  وتتكررُ على الأسماع وبصورةٍ يوميةٍ كلمة الضّمير ، وفي شتى بقاع الأرض ، وبكلّ اللغات والمعاني المرادفة لها ، فهو شرعٌ من قوانين الذات الإنسانية السليمة ، ورادعٌ من أقوى الردوع العقلية ، وحاكمٌ يقع عرشه على مملكة العقل ، والقلب والرّوح ، فإذا مامات مات الشعور بالذنب ، ومات معه الخوف من اللّه تعالى ، وقد يغيب الضمير أحيانًا كثيرة ويفلتُ من الإنسان زمامه ،  تحت وطأة الجشع وترك العنان للنفس دون قيود ، وعدم تهذيبها ، وعدم تعويدها على طاعة اللّه إن كان صاحبها مؤمنًا .. ولا ينفي تهذيبها عند غير المؤمن فالضمير سلطانٌ بشريٌ عند كافة البشر ، لا يستثنى منه مخلوق ، فالإستقامة الأخلاقية والإنصاف من الفطرة البشرية ، مالم يغلب الجهل عليها ، وجشع النفس ، ومرديات الهوى ، ولغة الجسد العاتية ..

ولقد كان للضمير الأثر الأكبر في تخليد ذكرى بعض الشخصيات التي لها دورٌ في إسعاد البشرية  أو دفع مظلمةٍ عن شعبٍ أو قومٍ لما لهُ من أثرٍ وسلوكٍ إبجابيٍ في تنظيم المجتمعات ..

فقد كان لكافة الشعوب  شرع (الضمير) وملِكته ، لكنه كان ضميرًا يقع تحت وطأة الجهل والطمع والغرور وطلب بسط اليد آنذاك .. فكانت الحروب ، وكانت الغزوات ،وكان النهب والسلب متفشيًا أيام الجاهلية القديمة والحديثة ، نتيجة غياب تحكيم الضمير ، والإلتباسات الذهنية لإيجاد الحلول السليمة والمناسبة للقضايا .
وهنا سؤالٌ طالما يداهم عقولنا ..

هل الضّمير قابلٌ للتطوير والتّحسين من إدائه ؟
وكيف ذاك ؟
ولم يغفل الباري جلّ شأنه عن عباده فهو أعلم بمخلوقاته ويجيبنا النّبي صلى اللّه عليه وعلى آله وصحبه المتقين بالإيحاب على هذه السؤال بقوله (( إنّما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق ))
ولا تتأتى الأخلاق الحسنة إلا من الضمير الحي القابع بالقلب والروح ، والمتربع على عرش العقل ونستدل من الحديث الشريف على إمكانية تطوير وتحسين عمل الضمير بإثارة المنبهات له من سباته او غيابه ..
كما أنّ القرآن الكريم شدّد على هذه الفكرة وعلى تنشأتها من جديد وإحياء الضمائر الميتة ، وإصحاء السابتة منها ، وتنبيه الغافلة منها ، والعجيب في البراهين القرآنية أنّ أكثر الآيات الحاثة على إحياء الضمير تكررت ثلاثا بذات النّص تقريبا كقوله تعالى مخاطبا نبيه الكريم
" ص" :
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151].

﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].

﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2].
وتزكية النفس لا يكون إلاّ بصحوة الضّمير وإنعاشه لتلقّي طيب القول واتباعه ..
وفي آياتٍ أخرى يشير الباري جلّ شأنه بصورةٍ مباشرةٍ جدًا إلى الضمير بقوله تعالى :

(( أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )) الحج (46)

وما تلك القلوب إلّا الضمائر المستودعة في الصدور ، فالعقل متصرفٌ بما يحويه ويُمليه عليه
ضمير القلب ، وللّهِ جلّ شأنه أسراره في مخلوقاته التي لم يُبلغ مدآها بعد . .
لقد أعطى الباري جلّ شأنه للضمير أهميةً بالغةً لم تعرفها البشرية بوضوحٍ إلى الآن ، وأشار إليه لإيضاح شأنه الكبير ، لما في الأمر من الأهمية لمقومات الإنسان ، الإنسانية والدينية والإجتماعية ، ولما في ذلك من استقامة الأمن والأمان في المجتمعات البشرية .. وبما لهذه الملَكة الوجدانية الفطرية المهمة جدًا أقسم اللّه جلّ جلاله بها !! فتأمل قوله :
(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)
فالنفس اللوامة هي الضّمير الحي الغير غافلٍ والغير سابت ..
فهذه النفس الأبية ، والسليمة الفطرة ، دائمة اللوم على صاحبها إذا ما رأت منه عصيانا للّه ، أو غدرًا بإنسانٍ ، أو ظلمًا لإنسانٍ ، أو لشعبٍ أو لجماعةٍ ، أو تحزبًا وعنصريةّ وعداوةً ضد من يختلف معها في وجهات النظر ..
ومع افتقاد هذه المقومات بها ، وعند توقّفِ اللوم عن صاحبها ، لكلّ ما تراه منافيًا للقيم وللأخلاق وللدّين يصبح عمل تلك الملَكة الحسّية الوجدانية في خبر كان ..
وهذا ما يُطلق عليه بمسمى موت الضمير .