الثلاثاء، 20 يونيو 2017

أفعالنا بين السلب والإيجاب 8

أفعالنا بين السلب والإيجاب
بقلم / د.أحلام الحسن

الإعلامُ وردّة الفعل ..

الإعلام اسم واسع الطيف والكيف ..ومتعدد الطرق المتداولة فيه .. ومتعدد الدوافع من وراء نشر الخبر ومدى تحليته  أو تسميمه .. أو الزيادة عليه .. أو تحريفه بطريقةٍ لا ينتبه لها المتلقّي سواءً بالسمع أو المشاهدة عبر التلفاز أو طريقة كتابته في الصحف والجرائد .. وللطريقة  المستخدمة في نشر الخبر دورها الفعال جدا في تخفيفه .. أو في تفخيمه ..
ولا يخفى على أصحاب الإختصاص بأنّ هناك فئة من البشر مُستهدفة من جراء نشر خبرٍ معينٍ صادقا كان أو مكذوبا أو مدسوسًا ومغشوشًا .. بمعنى دسّ السّم في العسل أو العكس أيضا دسّ العسل في السماء .. ولا نستغرب إن قلنا بهذا الأمر .. فكمن شخصيةٍ بارزةٍ معطاءةٍ للوطن أو للمجتمع شٓوهت صورتها وحُوّلها عسلها إلى سمًّا !! من أجل تشويه سمعة تلك الشخصية أو ذاك المجتمع أو تلك الفئة من البشر ..
وكذلك للإعلام دورٌ بارزٌ وكبيرٌ في تلميع شخصيةٍ ما ، أو مجموعةٍ ما ، وإظهارها بألمع الصور الجمالية ، والمعنوية ، والبشرية ، وإن كانت في حقيقتها عكس ذلك .. كلّ هذه الطرق المستهدف من ورائها الجمهور ، والمجتمع ، وصناعة قاعدةٍ لشخصيةٍ معينة أو حزبٍ معين   .. أو هدم قاعدة لشخصية معينة ، أو لفئةٍ معينة .. ولا يخفى على العاقل بأنّ هذه الأساليب تهدف لمصلحة شريحةٍ من المجتمع دون غيرها وإن كان مردود هذه الإساليب التحريفية في نقل الخبر سيرجع سلبًا على المجتمع أو على الأمة الإسلامية جمعاء .. ويثير الفتن والإقتتال .. ففي منظومة بعض الفئات أنا ولا غيري .. ونحن ولا سوانا .. ولو فنت الدنيا ! يتحيزون لفئةٍ بذاتها رغبةً في تحقيق ما يهدفون إليه ..
جيلنا والإعلام الحديث :
مع نهضة التعلم والمعرفة والتكنلوجيا والثقافات المتعددة يعي المُتلقّي في بعض الأحيان لتلك الأساليب الإعلامية المعوجة سواءً بالتلميع أو التشويه أو التبعيض أو الدّس ونعني هنا بالتبعيض نشر جزءٍ من الخبر وإخفاء البقية لتضليل المُتلقّي .. أو نشر مقطعٍ صوتيٍ للزج بصاحبه في مقولةٍ لم يقلها أصلا ! أو رأيٍ لا يعتقده .. وهنا يكون المتلقّي بين أمرين أما التصديق وإما التكذيب أو ثالثهما البحث عن مصداقية الخبر من مصادر مناهضة للجهة الأولى من الناقلة للخبر ليصل إلى الحقيقة المرجوة والمصداقية الأكثر شمولًا للخبر .
جيلنا والإعلام التأريخي الإسلامي  :
وهنا للأسف الطامةٌ العظمى في المجتمع العربي والمسلم فالإعلام التأريخي الإسلامي يؤخذ به ويُتعامل معه من المُسلمات التي جدال فيها !!! وأنّ كلّ مقولةٍ أوخبرٍ لا يشقه الغبار ولا شكّ فيه مطلقًا .. وهنا الإزدواجية في تفكير المتلقّي والمجتمع المسلم .. نجده في الإعلام الحديث يتابع ويحلل ويبحث .. بينما نجده يقف في تلقّي أخبار الإعلام التأريخية موقف المستسلم والمٓصدّق لكلّ ما يصله وإن كان من أفّاقٍ أو منافقٍ أو فاسقٍ أو هادفٍ لإثارة الفتن .. وما يحصده المجتمع المسلم اليوم من مصائب واقتتال ما كان ليكون لولا الإعلام التأريخي المدسوس والهادف لإبراز فئة أو إجهاض فئة ..
فمتى سنتعامل مع الإعلام التأريخي المسلم كتعاملنا مع اعلامنا اليوم من البحث عن الحقيقة والتصدى للسموم المدسوسة والحيلولة دون انتشارها في المجتمع ..
وسأضرب مثالا من الإعلام التأريخي المدسوس والهادف للطعن في شريحةٍ من المسلمين وهذا المثال حول شخصية عبد اللّه بن سبأ والحكايات والأساطير الخيالية  التي نسجت حول تلك الشخصية .. ولا أدعي إثبات تلك الشخصية أو وهميتها .. لكن سأتطرق من خلال بحثي المبسط هذا حول ما ورد عن حقيقة وجود شخصية عبداللّه بن سبأ .. ولقد اختلف المجتمع المسلم قديما وحديثا حول حقيقة وجوده وانقسموا إلى ثلاث فئات مختلفة هي :
الفئة الأولى :
من المعاصرين أكدوا على وجود شخصيته وأصرّوا على عدة أمورٍ مهمةٍ جدا في التأريخ الإسلامي وهي :
أولاّ :
1- أنّ عبداللّه بن سبأ اليهودي تظاهر بالإسلام وهو الذي أثار حرب الجمل وحرب صفين وأشعل الفتنة بين المسلمين .
وللرد على هذا علينا بتحكيم العقل :
1-  بعده متابعة الأحداث التأريخية .. ووفق تحكيم العقل نرى بأنّ هذه الرواية تطعن في أمنا السيدة عائشة وفي طلحة وفي الزبير وفي علي ابن أبي طالبٍ وفي معاوية وفي عقول المسلمين كافة !!
فكيف لشخصيةٍ واحدة أن تلعب بعقول هؤلاء جميعا في الشام وفي المدينة وفي العراق وهؤلاء هم أعيان الأمة الإسلامية .. فهل تمتلك هذه الشخصية القدرة المذهلة للعب بعقول عمالقة الإسلام ! وتحثهم على القتال وتسخر من عقولهم .. هذا ما لا يستوعبه العقل السوي .

2- المتتبع للتأريخ يرى بأنّ الروايات الواردة عن هذه الشخصية جاءت بعد 150 هجري مما ينقض وجود هذه الشخصية في تلك الفترة .

3- أين كان عبداللّه ابن سبأ وجماعته في جيش علي ابن أبي طالب في حرب صفين وحرب الجمل وحرب الخوارج .. لم يذكر التأريخ وجودا له بتاتا لا كقائد كتيبةٍ ولا حتى كجندي مما يؤكد زيف الرواية مائة بالمائة  وأن هناك أيدٍ تسعى اعلاميا لتشويه سمعة جماعةٍ ما إو لتشويه سمعة علي ابن أبي طالب .
ثانيًا :
حكيت اسطورة التشيع وبأنّ عبداللّه ابن سبأ مؤسس مذهب التشيع الإثنى عشر وإنه كان يدعو لعبادة علي ابن أبي طالب وأنه كان يقول كما تقول اليهود لكلّ نبيّ ٍ وصي وأنّ عليا وصي رسول اللّه " ص" .. وأنّ عليا أحرق جماعة السبئية التي عبدته ! وذكروا أيضا بأنّ عبداللّه ابن سبأ إدعى الألوهية لنفسه وأنه الإله المعبود .
وللرد على هذه الأسطورة بالعقل :
1-  هنا متنافضات واضحة الرؤى فكيف يدعي عبداللّه ابن سبأ بألوهية علي ويدعو لعبادته وهو يقول بأنه وصي رسول اللّه صلوات اللّه عليه !!!
كيف يقرّ له بالآلوهية ويقرّ له بالوصاية والإمامة في آنٍ واحدة !!!!
هذا ما يرفضه العقل السليم .

2- لم يرد في الأحكام الشرعية بحرق الناس أحياء فكيف افتروا على علي ابن أبي طالب وقالوا أحرق أتباع عبداللّه ابن سبأ ولم يذكروا المكان والزمان والأسماء !

3- من غير المعقول أن يلتزم المسلمون الصمت  على إدّعاء عبداللّه ابن سبأ الألوهية .. فمرة يدعي الألوهية ل علي وأخرى يدعي الألوهية لنفسه وأخرى يقرّ بنبوة النبي ص ويعترف بالوصاية ل علي وأخرى ينشئ مذهب الشيعة وأخرى يدعي النبوة ويُفترى على الشيعة بأنه نبيهم !!! ألاعيب اعلامية تهدف لخدمة سياسية ما لمصلحة مجموعةٍ ما !

هذا النموذج الإعلامي القديم وكما ذكر بأنه من التأريخ الإعلامي للمسلمين يعرفنا على مدى خطورة اللعبة الإعلامية من اختلاق أحداثٍ تإريخية لا أساس لها من الصحة  وكيف كان الإفتراء على الشخصيات التأريخية سواءً كانت تلك الشخصية حقيقية أو شخصية موهومة نسجت حولها الأساطير وشماعة عُلقت عليها تبعات حروب الفتن !!!

أغلب ما ورد من هذه الروايات تنسب إلى الأفّاك سيف ابن عمر والذي عاصر العباسيين والمتتبع للتأريخ العباسي يعرف مدى عداوتهم لأهل البيت ولمذهبهم  ..
وهذا ما ذكره المؤرخون عن فساد الراوي سيف ابن عمر  :
( سيف بن عمر وتقول عنه كتب التراجم ما يلي بالحرف الواحد. يقول ابن حبان كان سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الأثبات وقالوا إنه كان يضع الحديث واتهم بالزندقة، كما يقول عنه الحاكم النيسابوري اتهم سيف بالزندقة وهو بالرواية ساقط. ويقول عنه ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها. ويقول عنه ابن معين ضعيف الحديث فليس فيه خير. وقال ابن حاتم متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي. وقال عنه أبو داود صاحب السنن ليس بشئ. وقال عنه النسائي صاحب السنن : ضعيف. وقال عنه السيوطي إنه وضاع . وقال محمد بن طاهر بن علي الهندي عنه : سيف بن عمر متروك اتهم بالوضع والزندقة وكان وضاعا ..

وفي بحثٍ مطولٍ نفى الدكتور الباحث عبدالعزيز الهلابي استاذ التأريخ بجامعة الملك سعود وبعد دراسةٍ طويلة نفى وجود شخصية عبد اللّه ابن سبأ ..

دراسة وتحليل للدكتور طه حسين :
(( كما استعرض الدكتور طه حسين الصورة التي رسمت لابن سبأ ومزقها بعد تحليل دقيق وانتهى إلى أن ابن سبأ شخصية وهمية خلقها خصوم الشيعة ودعم رأيه بالأمور التالية :

أولا : إن كل المؤرخين الثقاة لم يشيروا إلى قصة عبد الله بن سبأ ولم يذكروا عنها شيئا.ثانيا : إن المصدر الوحيد عنه هو سيف بن عمر وهو رجل معلوم الكذب، ومقطوع بأنه وضاع.ثالثا : إن الأمور التي أسندت إلى عبد الله بن سبأ تستلزم معجزات خارقة لفرد عادي كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبد الله بن سبأ وسخرهم لمآربه وهم ينفذون أهدافه بدون اعتراض : في منتهى البلاهة والسخف.رابعا : عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان وعماله عنه مع ضربهم لغيره من المعارضين كمحمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن أبي بكر، وعمار وغيرهم.خامسا : قصة الإحراق وتعيين السنة التي عرض فيها ابن سبأ للإحراق تخلو منها كتب التاريخ الصحيحة ولا يوجد لها في هذه الكتب أثر.سادسا : عدم وجود أثر لابن سبأ ولجماعته في واقعة صفين وفي حرب النهروان، وقد انتهى طه حسين إلى القول : أن ابن سبأ شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة ولا وجود له في الخارج ))