الأحد، 6 أكتوبر 2019

مقالات د. أحلام الحسن

اهثقافاتٌ ورؤى
بقلم / د. أحلام الحسن

   "  إقتباسٌ أدبيّ أم التباس "

الإقتباس لغة :
كلمة الإقتباس تشتق من معنى القبس أي النور أو النار والشعلة المضيئة .. ولتقريب الصورة كمن يشعل شعلته من نارٍ موجودةٍ ليضيء بها دربه.

أما الإقتباس في الإصطلاح الأدبي فإنه يقوم على اقتباس جملةٍ أو بيت شعريٍ أو آيةٍ قرآنيةٍ أو بعض آية ويستخدمه الكاتب في مقاله أو الشاعر في قصيدته وما شابه ذلك مع ذكر المصدر المقتبس منه ووضع المقُتبَس بين قوسين للإشارة إلى اقتباسه.

الإقتباس من القرآن الكريم :

لم يغب الإقتباس الأدبي للآيات القرآنية الكريمة أو اقتباس جزءٍ منها بصورةٍ عامةٍ عن الأجيال الماضية والتي استخدمته للدلالة والإشارة إلى موضوعٍ بذات الصفة المشار إليها بالقرآن الكريم وللتذكير وللعبرة " وإن تمّ إجازة الإستخدام في الموسوعة الفقهية بشرط عدم خروج المعنى القرآني عن المقاصد الشرعية التي نزل بها القرآن  الكريم  مع التأكيد في بقية النّصّ الأدبي على الإصلاح الإجتماعي وعدم استخدام أسلوب الإقتباس القرآني لمآرب أخرى.

وقد شاع بين بعض المسلمين استخدام الآيات القرآنية للتذكير الجاد أو المازح دون الإستهزاء أو الاستخفاف بآيات القرآن الكريم كقول الإنسان حسبنا الله ونعم الوكيل .. وأفوض أمري إلى الله إنّ الله بصيرٌ بالعباد ذكر الآية أو بعضا منها فهذا من المستحبات وحالة المؤمن في الرجوع والتفويض إلى خالقه في كلّ أموره، كما جاء استخدام لغة القرآن الكريم تعظيما لها ولسمو قدرها، ولقد ورد في العديد من الأدعية بعض الآيات القرآنية الكريمة ، كما تستخدم للشفاء والعلاج ولدفع العين والحسد والتصالح.

الإلتباس لغة :

ويشتق من كلمة لباس ولبس واختلط كقول الله تعالى ( ولا تلبسوا الحقّ بالباطل) أي لا تلبسوا الباطل لباس الحقّ ولا تخلطوا الحقّ بالباطل.. والإلتباس اعطاء الكلمة أكثر من معنىً وفيه يحدث الإختلاط والتضليل والتعقيد حيث تحتمل الكلمة عدة معانٍ فيما لو تُركت دون رفد نصّ ٍيسبقها أو مرفودٍ يليها فتحدث الشبهة في المعنى .

ولقد استخدم بعض الشعراء لغة الإصلاح في قصائدهم بالإقتباس من القرآن الكريم آياتٍ للتذكير ولا أحد يعيب أو ينكر عليهم ذلك  مثال ذلك :

لا تكن ظالمًا ولا ترض بالظــــــــلم وأنكر بكل ما يُـستـطاع
يوم يأتي الحساب ما لظلوم "من حميم ٍولا شفيع ٍيطـــاع"

خلة الغانيات خلة سوءٍ " فاتـــقوا الله يا أولي الألباب"
وإذا ما سألتموهن شيئًا "فاسألوهن من وراء حجاب"

خففوا ثقل الخطايا أفلح القوم المخفون
كيف تعطون من الباقي وبالفاني تضنون
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون

نرى في الأبيات السابقة طرق وعظٍ جاءت في الشعر الموزون قصد الشاعر فيها الوعظ والتذكير وهذا مما يَشكر الشعراء عليه فلا يكتبه إلاّ الشاعر الذي يحمل رؤيةً اصلاحية ومبادئ وخُلقًا اسلامية.

الإستخفاف بآيات القرآن الكريم :

لقد تمّ العبث والاستخفاف بآيات كتاب اللّه من قِبل بعض الشعراء وبعض الكتاب والذين تُحسب عليهم تجاوزاتهم هذه لأنهم من أهل العقل وليسوا من أهل الجهل واستدل ببعض الأمثلة المتوسطة على ذلك :

جاءني الحِبُّ مسرعا وعلى مهجتي عطف
قال جد لي بقبلة قلت (خذها ولا تخف)

قال السيد رضا الهندي في الكوثرية:
أمفلج ثغرك أم جوهرْ   ورحيق رضابك أم سكّرْ
قد قال لثغرك صانعه (إنّا أعطيناك الكوثر)

نصوص الرذيلة  إلى أين ؟!

تتابع الأقلام الشبقية الفاقدة للقيم الأخلاقية، والمستهترة بالدين، كتاباتها وكأنّ مامن رقيبٍ عليها، وينتشر التصفيق وتعليقات الإعجاب خاصةً إذا كانت الناشرةُ إمرأةً تجردت من الحياء وتباعدت عن ساحات التقوى لتسرد نصوصًا شبقيةً تسميها شعرًا !!
وغالبية هذه النصوص من شويعراتٍ  وناثراتٍ يردن الشهرة وحشد الجمهرة حولهن من خلال سيل اللعاب وعبر نصوصٍ جنسيةٍ شبقيةٍ هزيلة لا ولن تصل لمرحلة الأدب يومًا ،  وللأسف هناك من يطبّل لمثل هذه النصوص ليس من الشباب فقط أو العوام،  بل ممن يصعدون المنابر ويأمّون الجماعة للصلاة!! وفي المساء يتزاحمون على صفحات الشبقيات والنصوص الجنسية المثيرة للغرائز !!
لقد أصبحنا في عصر الجاهلية العظمى !!
وللأسف ازدحام هؤلاء على كلّ ماهو هادمٌ للدين والقيم وبدلاً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نراهم يصفقون للمنكر ويمتدحونه ! وانعكست الرؤى حيث كان النّصّ الجيد في العشرينات وللسبعينات والثمانينات هو السيد نرى اليوم القول الفاحش والمنكر هو سيد النصوص!! فوأسفاه على أمةٍ تتهالك يومًا بعد يومٍ وتستنكر المعروف وتطبل للمنكر! وتخون أمانة القلم ويخون المتلقّي ذاته ودينه، ويبدو أنّ هذه الظاهرة تهوي لمستنقعٍ سيستعصي اصلاحه في المستقبل فيما لو تُرك هكذا في مهب الريح، وتعمّ الفوضى الأخلاقية المتهورة .
الوضع بحاجةٍ لإصلاحٍ عاجلٍ ولأقلامٍ تُقوّم هذا الإعوجاج عند الناشر وعند المُتلقّي وعلى المتلقّي العاقل تقزيم هذه النصوص الشبقية.. لقد وصل الأمر لحدّ الاستهتار بالقيم وبالآيات القرآنية والزّج بها في نصوصٍ شبقيةٍ سوقيةٍ ضحلة مدلسةٍ ..
فمتى سنعرف قول الله تعالى ((مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )).

نشر بجريدة الزمان المصري 5-10-2019