الخميس، 30 أغسطس 2018

ثقافاتٌ ورؤى

ثقافاتٌ ورؤى ..
بقلم / د. أحلام الحسن

النّصُّ النثري ..

يعتبر النّصّ النثري أحد الفنون الأدبية الجميلة والمتعارفة لدى الشعوب في العالم أجمع .. ولا يختلف اثنان .. على أنّه لا يمكن أن يصل النّصّ النثري لمستوى جماليات الشعر العمودي .. وقد أطلق البعض عليه مجازًا اسم  " القصيدة النثرية " وطبعًا لهذه التسمية الكثير من المعارضين لأن فيها خلط الأوراق فالشعر  الموزون يختلف تمامًا عن النّصّ المنثور ..  والشاعر يختلف تمامًا عن الناثر ولكليهما جماليات حرفه إن أبدع فيه .. خاصة إذا ما وضع الكاتب نصب عينيه هدفية نصّه كنّصّ ٍ يحاكي ظروف مجتمعه ويعالج مشاكل مجتمعه ولا يتقوقع في بوتقة الذاتية العاطفية فقط ..
ويحتاج النّصّ الأدبي إلى عدّة عواملَ واختصاصاتٍ لابدّ من  تواجدها بل من الضّروريات تواجدها .. وإلاّ خرج النّصُّ عن جمالياته ، وتحوّل إلى خاطرةٍ عابرةٍ أو مجرد كلامٍ لا يصل لمستوى الخاطرة فضلًا عن النّصّ الأدبي المتقن ..

وأختصر في الآتي أهمّ عواملَ النّجاح للنّصّ الأدبي  :

١  –  الإيجاز : وتعني : الكثافة في استخدام اللفظ سياقًا وتركيبًا ، وهنا يتطلب من الكاتب قوة الحرف ، وقوة الكلمة المتدفقة التي تخرج منها الصّورة الفكرية للوجود .

٢ – الًتوهج : وتعني الإشراق ، بحيث يكون اللفظ في كافة  استخداماته متألقا في سياقه ، كأنهُ مصباحٌ إذا ما استبدلناه بغيره ينطفئ بعض البريق في الدلالة العامة ، يشد ذهن المتلقي  بجمال تراكيبه اللغوية .

٣ – المجانية : وتعني اللازمنية ، أي يكون اللفظ غير محددٍ  بزمنٍ معينٍ ، فالدّلالة متغيّرة ، حسب السّياق والرّؤية والتّركيب ، وتكونُ كلماته ذات دلالةٍ مفتوحة غير مقيدة ، يمكن أن تُفهمَ على مستوياتٍ عدّة .. بمعنى أنّ النّاثر يكون متأثرًا بحدثٍ ما .. أو بحالةٍ نفسيةٍ خاصة به
بحيث ينطلق من الحدث المتأثر به إلى القلم والورقة فيسطّره شعورًا واحساسا .. والحذر من محاولةٍ فاشلةٍ لكتابة النّصّ النثري دون التّأثر بالعوامل الخارجية والنفسية للكاتب .

٤ – الوحدةُ العضوية : وتعني أن يكونَ النّصُ كلامًا واحدًا ، ومجردًا من وحدة البيت المشبهة بقصيدة الشعر العمودي ، ويكون النّصُ كلّه وحدةً واحدة في الفكرة وإن تشعبت منها أفكارٌ ثانوية داعمة للفكرة  الأساسية .

٥ –   المتانة واستخدام البديعيات وذلك لصالح بناء نصٍ جديدٍ  ،  وتجنّب كثرة الاستطرادات والمفردات التي بذات المعنى وتكرارها فهذا يوهن النّصّ ويوحي للمتلقّي بضعف قدرة الكاتب اللغوية في استخدام قوة اللفظ وإشراقاته .

٦ –  تتألف النّصوص النثرية من عدّة عناصرَ من الواقع المادي المحسوس حسب الرّؤية الفكريّة للنّاثر ، وتكوين  علاقاتٍ جديدةٍ بين ألفاظ النّصّ وبين تراكيبه المتعددة ، هذه العلاقات مبنيّة على وحدة النّص وعلى جمالياتٍ لغويةٍ  ، تعتمد على رؤية النّاثر الثقافية والشاعرية ، فتنعكس على صياغة وبناءِ الألفاظ ، وبنية التّراكيب ، وقوّة التّخيل الممزوج بالواقع .

٧/  إثارة ما يُسمى بالصّدمة للمتلقّي ، هذه الصّدمة تنتجُ عن التّلقي للنّصّ النّثري ، واللذة في هذا التّلقي الناتج عن التّأملِ في بنية النّص ، وروعةِ جمالياته ، ورؤاه الجديدة .
فمصطلح الصّدمة الشّعرية هو الميزان الذي سيحدد جودة النصوص النثرية ، ومستوى نجاحها عند الجمهور ..

٨/ تنوّع الإسلوب وقوة تدفقه واختيار الكاتب للهدف السليم من وراء النّصّ اختيارا دقيقا هو عمود الخيمة الذي سيقوم عليه نجاح النّصّ النثري وتقبّله في المجتمع والحذر من أن يطلق الناثر على نفسه مسمى شاعر " إلاّ إذا كان يكتب الشعر العمودي والنصوص النثرية معا " وإلاّ ذهبت نصوصه أدراج الرّياح وحكمت على نصوصه مدارس الشعر وروادها وأساتذتها بالموت .

كلّ مقالات " ثقافاتٌ ورؤى " منشورةٌ بصحيفة الزمان المصري
يمنع النسخ الحقوق محفوظة