يقلم : عبد الكريم حمزة عباس
القصيدة بين سلطة الابتكار وبهاء الانتماء - إضاءة على النتاج الشعري للكاتبة أحلام الحسن
Ahlam Alhasan
===============
في زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات وتتباين فيه الرؤى، تبرز الكاتبة البحرينية الدكتورة أحلام الحسن بوصفها صوتًا شعريًا يمتلك فرادته، ورؤيةً لغويةً تزاوج بين الإيقاع الموروث والنبض المعاصر، فهي ليست مجرد شاعرة عمودية بل صاحبة مشروع شعري متكامل، تجلّى في ابتكارها لـ"بحر الحلم"، وفي سعيها الدؤوب لإعادة الشعر العربي إلى وهجه الفني والدلالي.
في دواوين(أحلام الحسن) مثل "أطياف الحب" أو "أوبعد الذي كان" أو "دمعة على وجه القمر "، وغيرها، التجربة الشعرية لديها ليست خطابًا جماليًا فقط، بل هي استعادة إنسانية لحضور الذات الأنثوية والوجدانية في عالم كثير الضجيج،حيث تكتب أحلام الحسن شعرها بوصفه ملاذًا وجوديًا واحتجاجًا ناعمًا ضد خفوت القيمة، وغياب الحلم.
قصائدها تنتمي إلى حقل من الشعر يوازن بين العاطفة العارمة واللغة المحكمة، فهي ليست شاعرة زخرفية، بل واعية تمامًا بفعل البناء، بما يشير إلى دربة عروضية متينة، وتمكّن نحوي وبلاغي واضح.
ما يميز( الدكتورة أحلام الحسن) بين معاصريها هو ابتكارها لبحر شعري جديد أسمته "بحر الحلم"، وهو اجتهاد عروضـي له دلالات نقدية مهمة، فهي، عبر هذا البحر لا تكسر الوزن على نحو عشوائي كما يفعل بعض شعراء الحداثة، بل تقدم بنية عروضية مدروسة، فيها جرس موسيقي داخلي مبتكر، يقوم على التنغيم العاطفي والإيقاع النفسي لا التفعيلة الخليلية الصارمة فقط.
وقد تم اعتماد هذا البحر أكاديميًا، وتدريسه في عدة جامعات ، مما يمنح هذه التجربة شرعية نقدية وتعليمية تخرجها من طور الاجتهاد الفردي إلى طور التأسيس الفعلي.
لا تتقوقع الكاتبة داخل نموذج معين من الشعر، بل تتنقل بين أنماط متعددة: هذا التنوع لا يدل على تشتت، بل على مرونة أسلوبية تحكمها رؤيتها المتوازنة بين الحرف والمعنى.
ففي بعض قصائدها يظهر ميل واضح إلى الرمزية العاطفية واللغة الحُلُمية، حيث تنشئ صورًا مستوحاة من الطبيعة، الذاكرة، والجسد، مما يمنح النص أفقًا تأويليًا خصبًا،وفي قصائد أخرى نلمح تمكنًا لغويًا عتيقًا يعيد للقافية.
حضورها البهي دون أن يخنق المعنى أو يثقله.
كأنثى، تقدم(أحلام الحسن) صورةً للمرأة ليست ضحيةً ولا مجرد معشوقة، بل فاعلة في المشهد الإبداعي،فهي تتحدث عن الحب لا بوصفه قدرًا بل اختيارًا وجوديًا، وتخاطب الرجل من موقع الند لا التابع،هذا ما يجعل خطابها الشعري أحيانًا نسويًا ضمنيًا، يتحدى المنظور الذكوري للسرديات العاطفية دون شعاراتية.
في مقالاتها النقدية، وسعيها لتدريس الشعر العروضي، تبرز(أحلام الحسن) بوصفها مثقفة عضوية لا تكتفي بالكتابة، بل تسعى إلى تكوين ذائقة شعرية جديدة عبر التعليم والمحاضرات وكتابها «السبيل لبحور الخليل» مثال واضح على هذا التوجه التربوي النقدي، حيث تجمع بين التنظير الأكاديمي والتبسيط التعليمي، مما يتيح للجيل الجديد مقاربة الشعر دون فوبيا العروض
تُعد (الدكتورة أحلام الحسن )من الأصوات الشعرية التي لا تغني للعابر، بل تنحت القصيدة بوصفها أثرًا داخليًا باقٍ فتجربتها الشعرية، من حيث الشكل والمضمون، تقف عند مفترق طرق بين الإبداع والتأصيل، وهي بذلك لا تكتفي بالكتابة بل تسعى إلى تجديد المفاهيم وتوسيع أفق القصيدة العربية في القرن الحادي والعشرين.
في عالم يُهدر فيه الشعر كثيرًا، تبقى( أحلام الحسن )واحدة من أولئك الذين يكتبون ليُنقذوا الحلم من الموت البطيء.
عبد الكريم حمزة عباس
==============