الأربعاء، 26 أبريل 2017

لحظة تأمل الغيرة في حياتنا

لحظةُ تأمّل ..
بقلم / د. أحلام الحسن

الغيرةُ في حياتنا ..

ويأتي المعنى اللغوي لكلمة غيرة من غار يغير وهو تعلّقٌ يصفه أهل العلم بالشديد ..ولا أحد ينكر ما للغيرة من أهميةٍ في مدى استقرار الإنسان .. فلا أحد يستثنى منها مع تفاوت درجاتها وأسلوب ممارستها بين البشر .. وحتى الحيوانات فلا تخلو منها .. وهي شعورٌ طبيعيٌ في النفس إذا ما أُطّرَ في إطاره المحدد .. ولم يخرج عنه لمرحلة الشّك والشدّة ..
والغيرة أصنافٌ متعددة تكمن وراءها ظروفٌ مختلفة لدى الإنسان .. ولا تخرج الغيرة عن مواصفاتها الثلاثة /من / عن / على  / ..
الصنفُ الأول للغيرة (من ) :
وهي غيرةٌ مشمولةٌ بالحسد والبغضاء والغيرة الشديدة من تميّزٍ يمتلكه الطرف الآخر من جمالٍ أو مالٍ أو علمٍ أو منصبٍ يتمنى الغيور الحاسد زواله وتلفه .. وهي غيرةٌ مذمومةٌ جدا وقد تولد الجريمة بتفاوت أصنافها .. كالكذب والبهتان والإفتراء والتلفيق على الطرف الأول من أجل الطعن في مكانته ، أو علمه ، أو زوال نعمةٍ عنده ..  ولا يُقدم على هذه الأفعالَ إلاّ أصحاب النفوس المتهالكة بالذنوب والآثام والغير آبهة بانتقام اللّه أو عقابه أو آخرته .. وهذا النوع كالنار في الهشيم يحرق صاحبه أيضا فهو في تجسسٍ دائمٍ على الطرف الأول ومتابعة أقواله وأفعاله وأماكن تواجده لعله ولعل يرى ما يشينه فيسكب عليه زيوت غيه وحقده وحسده ليجعلَ من الحبة قبّة كما يقولون .. وإذا لم يجد ما يشينُ الطرف الأول اصطنع واختلق الدجل والأكاذيب .

الصنفُ الثاني للغيرة ( عن ) : 

وهي غيرة دفاعٍ عن وطنه وأهله وماله وعرضه  ودينه .. وهي غيرةٌ محمودة الخصال ضمن التأكد من أن الأمر فعلا يحتاج لمثل هذه الغيرة ، وقبل الشروع بإطلاق هذه الغيرة إلى فضاء الواقع .. وهذا الصنف من الغيرة لا يتعرض بالإيذاء النفسي أو الجسدي للمُغار عنه .. بل يتّسم بالدفاع عنه دون مساسه بقولٍ أو فعل من المتهجم عليه بأقصى ما يكون الدفاع .

الصنفُ الثالث للغيرة ( على ) :
وهو الصنفُ الأكثر اتساعا ونفوذا على سطح الكرة الأرضية وهي الغيرة الرومانسية " غيرة الحب " وهي استجابةٌ لشعورٍ يفرض نفسه .. شعور الخوف من خسارة الحبيب أو الحبيبة فهو حريصٌ على عدم خسارة ذلك الحبيب .. وهذا الغيرة بل كلّ أنواع الغيرة ذات نفوذٍ وسلطةٍ على الإنسان .. إلاّ أن مسارها غالبا ما يحتاج إلى ترويضٍ نفسيٍ وعقلي ليعلمَ الغيور بأن خوفه من خسران المحب وانصرافه لسواه يدفعه لهذه الغيرة .. ولكن إذا لم تكبح شدة الغيرة وبجرعاتها الطبيعة سيقع في المحذور ذاته وخسارة الحبيب الذي لم يعد يطيق هذه التهم والشكوك المستمرة .. والحقيقة بأنّ لا طعم للحبّ أيضا إذا لم تتملكه الغيرة على الحبيب ويفقد طعمه وحيويته ولونه ويصبح الطرف الثاني في حالة شكّ ٍ من مصداقية حبّ الطرف الأول والعكس كذلك هو الصحيح .. الغيرةُ كدفّتي الميزان فلابدّ من عملية الموازنة لا إفراط في الغيرة ولا تفريطٍ وعدم اهتمامٍ يولد معه فشل الترابط بين الطرفين ..
وهناك غيرة ليست في موضعها وهي الغيرة من الأصدقاء على صديقه !
وهي غيرةٌ مذمومة في محاولةٍ فاشلةٍ للإمتلاك .
وتختلف معايير الغيرة لدى المرأة وفق منظورها الفكري فهناك :

1- إمرأة تغار من إمرأة أخرى على حبيبها ولا يشترط تفوّق جمال أو مكانة الأخرى على الأولى .. بل الغيرة عند الأولى هي الغيرة على حبيبها فقط .. وهذا النوع من النساء قد ينفعل ويشاجر الحبيب وقد يشاجر المرأة الأخرى أيضا حيث فقدان التوازن  فيه سريعٌ جدا وذلك بسبب نوعية الثقافة والفكر البشري .

2- وهناك إمرأة تغار على عزّة نفسها وعلى حبيبها أيضا .. ولا تغار مطلقا من المرأة الأخرى وإن فاقتها جمالا أو مكانةً .. وترى بأنّ الرجل الذي خانها أو تلاعب مع أخرى خائنٌ بكلّ معايير الخيانة ..وإن لم يصل لمرحلة الخيانة " الشرعية والغير شرعية " ففي نظرها بأنّ كلتيهما خيانة .. وأنّ مثل هذا الرجل لا يستحق حبّها وغير جديرٍ به .. وأكثر الرجال تعرضا لهذه الغيرة الرجال الذين تضطرهم وظائفهم وأعمالهم للتعامل اليومي مع النساء .

أما الغيرة عند الرجل فتعني أكثر من ذلك فهي الغيرة على حبيبته .. الغيرة على عرضه وشرفه ..الغيرة على عزّة  نفسه كرجل .. لكن لابدّ أن تبقى الغيرة عند الرجل ذات حدودٍ لا يتجاوزها إلى مرتبة الإيذاء النفسي بالطعن في سمعة وعرض حبيبته .. فالمرأة العفيفة البريئة لن تغفر له ذلك مدى الحياة .. وفي أغلب الأحوال سترفضه كحبيبٍ وكزوجٍ بعد هذا الطعن ..
فكرامة المرأة من هذا الصنف فوق الحب .. وقد يتهور بعض الرجال بالإيذاء الجسدي الذي سيتسبب بالوقوع في المحذور وفي تمزق الحب والعاطفة والأسرة .

وللغيرة المفرطة أضرارها النفسية والصحية على كافة الأطراف دون استثناء .. بما فيها الأطفال والأسرة .