الأحد، 19 مارس 2017

كيف أعد نفسي لكتابة الشعر الحلقة الرابعة الموضحة

الحلقة الرّابعة  :      ( كيفَ أعدُّ نفسي لكتابة الشّعر   ) 
اعداد وتقديم : د . أحلام الحسن

السّلام عليكم أيّها الأعزاء ورحمة الله وبركاته 
محاضرتنا اليوم حول مدرسة من مدارسِ الشّعر العريقة ،  والتي اتّسمتْ بالحداثة ، والتّجديد والثّورة على المدرسة الكلاسكية ، قد تتسألون ما الفائدة من معرفة مدارسِ الشّعر ؟!

وللإجابة على هذا السؤال أقول : 
أولا : لنكتشفَ من خلالها  مواهبَنا الأدبيّة ، والفطريّة المجبولة بداخلنا ، ونتعرف إلى أيّ تلك المدارسِ الشّعرية التي من الممكنِ اطلاق موهبتنا الفطرية هذه ، هذا سيساعدنا كثيًرا على الإقدام بشجاعةٍ أكثر نحو اكتشاف المدرسة التي سوف ننتمي إليها في بداية مشوارنا الأدبي مع كتابة القصيدة . . والتي ستكوّن لنا درعًا حصينًا عندما نتعرضُ لمهاجمة إحدى المدارس المناهضة لتلك المدرسة .

مدرسة اليوم هي  : 
مدرسة الابتداع " الرومانسية " :
وهي نتاج  إختلاط المهاجرين  العرب بالعالم الغربي ، وظهرتَ هذه المدرسة لتعبّرَ  بصدقٍ ومصداقيةٍ عن الذّاتية البشريّة لدى الشّاعر ، وعن وجدانهِ وأحاسيسهِ،  ومدى تفاعلهِ مع الأوضاع الدّاخلية ، والشّخصية في نفسيتهِ ، والخارجية المنشأ كتفاعلِه مع أحداث المجتمع . 
قامت هذه المدرسة على رفضها للنّهج التّقليدي في  مدرسة الأحياء الكلاسيكية .

روادُها:
ـ خليل مطران في قصائده الوجدانية .
ـ جماعة (أبولو): أبو شادي ـ إبراهيم ناجي ـ أبو القاسم الشابي.
ـ جماعة الديوان : عبد الرحمن شكري ـ عباس محمود العقاد ـ إبراهيم المازني.
ـ مدرسة المهجر: إيليا أبو ماضي ـ جبران خليل جبران ـ ميخائيل نعيمة.

العواملُ الّتي ساعدتْ على إنشاء هذه المدرسة هي : 
١ / اتصال العرب بالغرب عن طريق الهجرة للغرب لأجل الدراسة وغيرها .
٢ / رفض المنهج التقليدي السائد في مدرسة الإحياء الكلاسيكية. ( شعر البحور الخليلية ) . 
٣  / الرّغبة في التّعبير عن الذّات بحريةٍ تامة ، والتّحدث عن الوجدان ، والمشاعر الشّخصية بكلّ شفافيةٍ ووضوح ، دونما أن تُقيّدها الأوزان الخليلية .

خصائصُ هذه المدرسة : 
١/ ثورتها على الكلاسيكية ، وقصيدة الوزن الواحد . . والدّعوة إلى الإبداع والإنطلاق .
٢/  تميّزتْ هذه المدرسة بالأدب العاطفي ، والشّكوى والحزن ،  والألمِ والحنين ، والحرمان.. ولعلّ الذي ساعد على هذه الميزة هي الغربة والبعد عن الأحبّة والوطن .
٣/ نلاحظ على هذه المدرسة  اهتمامًا كبيًرا بالخيال ، أكثر من اهتمامها بالعقل ، ( وإن في بعض الفترات خرجت عن هذا الخط لظروفٍ معيّنة ) 
٤/ ظاهرة الحديث عن الذّات والمعاناة ، والشّعور بالحزن .
٥/ ظهرت هنالك محاولاتٌ لتنويع القوافي ، وتغيير الأوزان ،  وعدم الالتزام بوحدة الوزن والقافية .
٦/  يغلبُ على هذه المدرسة اللجوء إلى الطبيعة عندهم ، والتّعبير يمتاز بالظلال والإيحاء، والتّأمل  .
ولنأخذ بعض النماذج من قصائد هذه المدرسة والتي أبدعوا فيها حقّ الإبداع ..
هذا إنموذجٌ من هذه المدرسة وهو مقطعٌ من قصيدة المواكب للشّاعر الكبير جبران خليل جبران ،وقد غنّتها فيروز وحققتْ القصيدةُ نجاحًا باهرًا رغم عدم إلتزامها بوحدة القافية أو الحرف الرويٍ الواحد ولا يُعدّ هذا عيبًا في جبران خليل جبران بل منحة زادته تألقًا أدبيًا باهرًا وأعطت للأدب العربي إنطلاقةً جميلةً فتعدد حرف الرّوي وتعدد القافية لا يستطيعها كلّ الشعراء لما فيها من الصعوبة وإحداث الصّدمة في ذهن الشاعر نفسه من تغيراتٍ مفاجئةٍ يصنعها فنّ تعدد الحرف الروي وتعدد القافية ليقف المتلقّي أمامها منبهرًا من هذا التدفق الأدبي .. وقد يصادفنا بعض المتأدبين الجهلة في تأريخ الشعر العربي الجميل من يطعنون ويسخرون إذا ما رأوا قصيدةً ذات حرفٍ رويٍ متعددٍ وقافيةٍ متعددة .. ولا يعلمون بأنهّ لا يمكن صناعة هذا النوع من القصيد بسهولةٍ وبساطةٍ حيث تغيير الحرف الروي مسألة لمفردها إضافة إلى تغيير القافية أيضا ! ومن هنا نعرف مدى الصعوبة التي إنطلق منها جبران خليل جبران في كتابة قصيدته العظيمة .. ونلاحظ في المقطع اختلاف حروف الروي واختلاف القافية من بيتٍ لآخر .. ليخرج لنا جبران خليل جبران بقطعةٍ أدبيةٍ ساوت الذهب .. 

ولنبحر معًا في مفردات مقطع ٍ من القصيدة نستسقي منها قطرات المطر لنروي بها قصائدنا ..

أعطني الناي وغن فالغناء سر الوجود
و أنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود

هل اتخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور
فتتبعت السواقي و تسلقت الصخور

هل تحمّمتَ بعطر و تنشّفتَ بنور
و شربتَ الفجر خمرًا في كؤوسٍ من أثير

أعطني النّاي و غنّ فالغناء سُّر الوجود
و أنينُ النّاي يبقى بعد أن يفنى الوجود

هل جلستَ العصرَ مثلي بين جفناتِ العنب
و العناقيدُ تدلّتْ كثرياتِ الذّهب

هل فرشَ العشـبَ ليلاً و تلحفّتَ الفضاء
زاهداً في ما سيأتي ناسيـًا ما قد مضى

أعطني النّاي و غنّ فالغناء عدل القلوب
و أنين الناي يبقى بعد أن تفنى الذنوب

أعطني الناي و غن و انس داءً ودواء
إنّما الناس سطورٌ  كُتبتْ لكن بماء.

بالودّ ألقاكم الأسبوع القادم