الأربعاء، 29 مارس 2017

النقد بين الفنّ والطعن

النقد الأدبي بين الفن والطّعن .. بقلم د . أحلام الحسن بالرجوع لعصر الجاهلية وما بعده من ظهور الإسلام وما تبعه فترة الدولة الأموية والعباسية والفاطمية لم تكن ظاهرة النقد الأدبي موجودة والأدب الأكثر شيوعًا ومازال هو الشّعر العروضي .. وقد ظهر في عصرنا الحالي النقد والتحليل وهو فنٌ من الفنون التابعة للأدب فلولا الأدب لما ظهر .. وقد أثبتت الدراسات النقدية جدارتها في إصلاح الضعف الأدبي لدى الأديب .. إلاّ أنّ هناك من النّقاد من يهدم كيان الأديب بكثرة تشريح النّص الأدبي والمبالغة في غربلته والتصغير من شأن صاحب النّص ( الأديب ) . وللنقد أسسٌ وقواعد وشروط يجب توفرها في الناقد والمحلل وأهمها : 1- الدراسة والموهبة الأكاديمية في مجال النقد . 2- الموهبة في ذات النّصوص المطروحة للنقد كالشعر العروضي والقصة بأنواعها والرواية والخاطرة والنثر .. وعلى الناقد بأن يكون مُلمًا بقواعد اللون الأدبي المراد نقده وبروائع الأدب العربي المعاصر ومدارسه . 3- الإلمام التام بالنحو والصرف . 4- أن تكون لديه المُكنة والخبرة في مجال النّص المراد نقده وإن لم يكن من أكاديمي النقد . 5- النزاهة والإنصاف التام وعدم التحيز والمحسوبية وفتل العضلات مع مراعاة عدم صناعة الإحباط لدي الكاتب . 6- إمتلاك الثقافة الإجتماعية والدينية ولباقة الحديث والطرح ليتمكن من إصلاح الفاسد في النّص وبصورةٍ لبقة . 7- القدرة على تحليل النّص واكتشاف خفاياه كالتورية وإيجابياته وسلبياته والتأني في قراءة النّص ولأكثر من مرةٍ قبل المبادرة بالتحليل والنقد . 8- إختيار الوقت الهادئ والمناسب للتحليل والنقد .. ولايغفل الناقد عن حالته النفسية أيضا بحيث يكون في حالته الطبيعية وليس في حالة الإنفعال . 9- عدم إضافة أيّة كلمةٍ على النّص والإلتزام بمفردات النّص ، والبحث عن جماليات النّص دون الإقتصار على عيوبه وتشكيك الكاتب في قدرته الأدبية وتثبيطه فلا يكون الناقد معولًا للهدم من خلال نقدٍ سقيمٍ يضرّ ولا ينفع .. فالشّعر والقصيد غالبًا ما يحلل نفسه بنفسه من خلال عرض الشاعر لمحتوى أفكار القصيدة إلاّ أنّ هنالك بعض القصائد ليست بالقليلة ما يغلب عليها أسلوب التورية وهذا النوع من كتابة الشعر نوعٌ فريدٌ وعذبٌ يبثّ في المُتلقي روح الفضول في البحث عما خلف كواليس القصيدة وعن مكنوناتها التي لم يفصح الشاعر عنها في قصيدته فخلف قصيدته قصيدة لم تظهر على واجهة القصيدة حيث أنّ لغة التورية في القصيدة جعلت للقصيدة ظاهرة مميزة وهي ظاهرة واجهة القصيدة وبطن القصيدة المغاير تمامًا للغة الواجهة . 10- البحث في النّص عن جمال اللغة كالبديعيات والمحسنات والإيقاع وإحداث الصّدمة لدى الكاتب من خلال نصّه . . وتماسك التحليل وترابطه بين فقرات القصيدة والتصوير المنهجي لها . 11- خاتمة النقد والتحليل وعليه أن يلتزم الناقد والمحلل بما أبداه من رأيٍ في القصيدة بالبينة والبرهان بصورةٍ دقيقةٍ وواضحة دون الخروج عما ورد في النص أو الإسترسال الممل في التحليل .. مع ملاحظةٍ مهمةٍ ترفع الروح المعنوية للشاعر لا أن يخرج المحلل أو الناقد ومناشيره تقطر دمًا من تشريح الشاعر وقصيدته . ويعتمد النقد الأمثل والناجح على عدّة أساليب تجعله نقدًا بنّاءً يتكون من العبارات الجزلة والقوية والعلمية في ذات الوقت .. والتي تعبر عن الحالة العاطفية والعقلية والفنية والأدبية والنحوية لدي الشاعر .. ولا ينسى الناقد السمات الجمالية في ذلك أو السلبية ومدى تدفق الواقعية لدى الشاعر ومدى تدفق البلاغة الشعرية لديه والبديعية والتشبيهية ومظاهر الإنفعال ومظاهر السكون لدى الشاعر .. وكما أنّ الشعر لابدّ من توفّر عنصر الإثارة فيه بالإضافة إلى ماتمّ ذكره وإحداث الصّدمة الشعرية للمتلقي كذلك النقد فهو وسيلة وصناعة أدبية رآقية لا يستهان بها إذا ما سارت في مسارها الصحيح وفق ما جاء في القصيدة ..وتختلف رؤى النقد من ناقدٍ لآخر وفق رؤاه التي يراها في النّص من صورٍ حقيقية أو مجازية بلاغية وأفكارٍ يقوم عليها بنيان القصيدة من الإيقاع والإنطباع لدى الشاعر .. وعلى الناقد أن يعيش في قلب الحدث .. قلب حدث النّص أو القصيدة بحذافيرها .. لا أن يكون النّص في وادٍ والنّقد في وادٍ آخر .. ليس المطلوب في النقد طرح بضع كلمات تمتدح النّص وصاحبه أو تذمه بنقدٍ لاذعٍ .. بل المطلوب المصداقية التامة في تحليل ونقد النّص دون المبالغة في المدح ودون الطعن المؤدي لتثبيط كاتب النّص .. النقد أمانةٌ حرفية لابدّ من تأديتها على أكمل وجه وبأفضل إداءٍ لكي تتعلم منه أيضا الأقلام الجديدة في ممارسة فنّ النّقد .