الأربعاء، 17 مايو 2017

نزار قباني أدبٌ وفنٌّ وسياسة

نزار قباني أدبٌ وفنُّ وسياسة
بقلم /  د . أحلام الحسن

" تحليلٌ عروضيٌ في قصيدة حبيبتي " للشاعر نزار قباني " رحمهُ اللّه "

لن أدخل في سيرته الأدبية الشائعة الصّيت شرقًا وغربًا .. فقلمي المتواضع أقلّ بكثيرٍ من أن يسع تلك السيرة الأدبية الواسعة .. إلاّ ما يهمنا في هذا التحليل المتواضع الإبحار في قصيدته المشهورة " حبيبتي " ..
لقد عُرف عن نزار قباني بأنّه الشاعر المعاصر الأوفر حظًّا في قصائد التفعيلة حيث انطلقت أكثر إبداعاته دون التّقيد بالقصيدة العمودية مع الإلتزام بصحة التفعيلات المستخدمة في غالبية قصائده الرائعة والتي استرسل فيها بكلّ بساطةٍ وأريحية ..
وقد أخطأ البعض في نوعية قصائده وقد تعثّر آخرون لا لعيبٍ بهم لكن وقفوا في حالةٍ من الذهول أمام هذه الروعة النزارية  .. وأمامنا اليوم نموذجً من قصائده التفعيلية  استخدم فيها أكثر من بحرٍ واحدٍ لا لقصور به كشاعرٍ بل لعبقريته كشاعرٍ سعى للتحديث والإبتكار وخرج من قوقعة الإحتكار وكما قلنا مع الإحتفاظ بالوزن .. مع ملاحظة كثرة استخدامه لجوازات تفعيلة مستفعلن المستخدمة في القصيدة كاستخدامه المتكرر للخبن وبعض الطي في غالبية أبيات القصيدة ..نلاحظ في القصيدة جمال الحرف الذي يلازم شعر نزار قباني ولا يفارقه .. كما نلاحظ بأنّه استخدم عدة بحورٍ مختلفة في الصدر والحشو يغلب عليها تفعيلة بحر الرجز .. بينما استخدم في الضرب تفعيلةً واحدةً لأزمت القصيدة من أولها لآخرها وهي تفعيلة بحر المتقارب !
وأشير لقصيدته الآن لكي يسهل أمام القارئ والشاعر الكريم متابعتها ومتابعة التحليل :

حبيبتي ..

حبيبتي : إن يسألونك عني 
يوما، فلا تفكري كثيرا 

البيت أعلاه :
حبيبتي : متفعلن .. خبن الثاني الساكن من تفعيلة مستفعلن .
إن يسألو : مستفعلن
نك ع نْ ن ي : ضرب الشطر " عجز " وهي تفعيلة بحر الكامل " وهي الوحيدة في القصيدة "
الشطر الثاني للبيت :
يومًا فلا :  تفعيلة مستفعلن
تُفكّري : متفعلن بجواز استخدام الخبن لتفعيلة مستفعلن الأصلية .
كثيرا : تفعيلة فعولن وهي تفعيلةٌ من بحر المتقارب استخدمها نزار قباني بكلّ مهارة الشاعر المبتكر ..وهذه التفعيلة لا ترد مطلقا في ضرب " تفعيلة مستفعلن " وأكثر المشهور في ورود أضرب تفعيلة مستفعلن هو : مستفعلن : صحيح / مستفعلْ : مقطوع الساكن الأخير / مستعلن : طي محذوف الرابع الساكن .

قولي لهم بكل كبرياء 
((... يحبني...يحبني كثيرا )) 
صغيرتي : إن عاتبوك يوما 
كيف قصصت شعرك الحريرا 
وكيف حطمت إناء طيب 
من بعدما ربيته شهورا 
وكان مثل الصيف في بلادي 
يوزع الظلال والعبيرا 
قولي لهم: ((أنا قصصت شعري 
((... لان من أحبه يحبه قصيرا 
أميرتي : إذا معا رقصنا 
على الشموع لحننا الأثيرا 

نرى في المقطع أعلاه استخدام تفعيلة مستفعلن مع الخبن بحذف الثاني الساكن في التفعيلة الأولى والثانية بينما احتفظ الضرب بتفعيلة بحر المتقارب فعولن .
في الضرب الآتي  : حريرا / ء طيبٍ / ت شعري  / قصيرا / رقصنا / أثيرا / .

وحوّلَ البيان في ثوان 
وجودنا أشعة ونورا 
وظنك الجميع في ذراعي 
فراشة تهم أن تطيرا 
فواصلي رقصك في هدوء 
... واتخذي من أضلعي سريرا 
وتمتمي بكل كبرياء: 
((... يحبني... يحبني كثيرا )) 
حبيبتي: إن أخبروك أني 
لا أملك العبيدا والقصورا 
وليس في يديَّ عقد ماس 
به أحيط جيدك الصغيرا 
قولي لهم بكل عنفوَانٍ 
يا حبي الأول والأخيرا 
قولي لهم: ((... كفاني 
((... بأنه يحبني كثيرا 

ونلاحظ في الأبيات أعلاه مشابهةً لذات التفعيلات المستخدمة في الفقرة الأولى ..
بينما البيت الذي يليها يرجع فيه نزار لتفعيلة مستفعلن في الشطر الأول مع استخدام جواز الخبن للثاني الساكن :
حبيبتي : متَفْعلن
يا ألف يا : مستفعلن . . صحيحة
حبيبتي : متَفعلن . خبن حذف الثاني ل مستفعلن .

حبي لعينيكِ أنا كبيرا  :
حبّي لعي : مستفعلن
نيكِ أنا : مستعلن : ونلاحظ هنا استخدامه لجواز الطي بحذف الرابع الساكن وهو من جوازات تفعيلة مستفعلن .
كبيرا : فعولن وهي تفعيلة بحر المتقارب ( ويخطئ من ظنّ بأنها من جوازت تفعيلة مستفعلن )  وكما قلنا عن عملية دمج نزار وموهبته في استخدام شعر التفعيلة الذي تميّز به .

وسوف يبقى دائما كبيرا :
وسوف يبْ : متَفْعلن : وهي من جوازات تفعيلة مستفعلن
قى دائمًا : مستفعلن
كبيرا : فعولن

أسأل اللّه الجواد الكريم بأني قد وفّقت في إعطاء القصيدة حقّها وإيضاح بعض أسرارها .