الخميس، 14 سبتمبر 2017

قراءاتٌ أدبية الحلقة الأولى

قراءاتٌ أدبية .. إعداد وتحليل / د . أحلام الحسن الحلقة الأولى ضمن لقاءاتي مع الكاتب المعروف الدكتور بسام قطوس ، خرجتُ بهديةٍ ثقافيةٍ منه بل تحفةٌ أدبية تخرج من بين صفحاته ووريقاته تحفٌ أدبيةٌ أخرى .. ففي الفصل الأول من كتابه " عتبة التّأويل وعتمةُ التّشكيل " يتحدث فيه عن " نشأة التّأويل " تأويل ما خلف النّص الظاهر أي باطن النّص والذي لا يلجأ إليه ولا يتقنه إلاّ الشّاعر أو الكاتب المتمكن من لغة التّورية والتي تحتاج للتأويل .. وقد يصيبُ المُأولون وقد يجانبهم الصّواب .. وهنا يلقي الكاتب الضوء على ذلك من خلال عنونته " تأصيل الأصول في التراث العربي " حيث ورد النّص الآتي في هذا : وأهمية التّأويل في اللغة العربية نابعةعن خصائص تلك اللغة فهي تقوم بالمجاز صورة ، استعارة ، تشبيها ، فهي لغةٌ جماليةٌ تهتم بالشكل اهتماما كبيرا .. وعمل التّأويل في النّص " لا في المفردة المستقلة بنفسها ، فإن كان النّصُ مترابطا لزم أن يكون التّأويل مترابطا فلا يخرج عن السياق العام للنّص " وحاجة النّص للتأويل حاجة حياةٍ أو موت ، وحين يعجز التفسير عن دلالة المعنى المراد فلابد حينها من إبعاد الدلالة الحقيقية للنّص والذهاب إلى الدلالة المجازية ، وهذا هو بالضبط مفهوم التّأويل عند ابن رشد .. وقد ظهر صراع التأويل بين الجماعات الإسلامية بعد وفاة سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وفي عهد أبي بكر رضي اللّه عنه ، وموقفه مما يخصّ الزكاة ، فخالف تأويل أبي بكر كلاّ من عمر ابن الخطاب وعلي ابن أبي طالب رضي اللّه عنهما بوجوب محاربة مانعي الزكاة ، حيث انفرد أبو بكر برأيه بمحاربتهم إذ رأى أنّه التّأويل السّليم . ولكن اشتداد التّأويل بدأ بصورةٍ أوسعٍ بعد مقتل عثمان رضي عنه الخليفة الثالث ، وبعد بروز طوائف المسلمين الكبرى ( السنة / الشيعة / الخوارج ) ومن بعدهم ظهرت ( المعتزلة ) والتي كرست موضوع التّأويل بسبب اتجاهها العقلي / الفكري ، وكذلك ظهرت طائفة ( الصوفية ) وهي أيضا كرست موضوع التأويل بشكلٍ أوسع . ثمّ اتخذ المفهوم الإسلامي بعد القرن الثاني الهجري مفهوما عقائديا ، فأقره جماعة ورفضه آخرون وكان من أبرز القضايا التي احتاجت إلى تأويلٍ قضية الجبر والإختيار أو التّسيير والتّخيير وغيرها من القضايا ، وعلى العموم فإنّ أهل السّنة قد مارسوا التأويل على الرغم بإنهم لم يوصوا به خوفًا من مجافاته الكتاب والسّنة ، ولكن التأويل اكتسب مع المعتزلة الذين عرفوا بنشاطهم في التأويل بُعدًا فكريًا وفلسفيًا فكانوا أصحاب نظرٍ في النّص قد يوافقهم فيه قومٌ ويختلف معهم فيه آخرون من أهل السّنة وفلاسفة المتصوفة الذين اعتمدوا على نظريةٍ مغايرةٍ ومختلفةٍ تمامًا عن نظرية المعتزلة . ولتحليل بعض الفقرات الواردة وإيضاحها للقارئ الكريم هو أنّ : 1/ مسألةَ التّأويل مسألةٌ خلافيةٌ بين الطوائف في اتخاذ قرارات تأويل النّص ، ومسألةٌ قابلةٌ للخطأ والصّواب وقابلة للإثنين أيضا حيث يكون جانبٌ منها صائب التّأويل ، وجانبٌ آخرٌ مخطئ التّأويل . 2/ استخدم الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي اللّه أسلوب التأويل في محاربة مانعي الزكاة على أنهم مرتدون بينما لم ير عمر ولا علي رضي اللّه عنهما ذلك مطلقًا ومن هاهنا تأتي حساسية التّأويل الملحّة باتخاذ الحذر قبل الشروع فيه . 3/ قضية الجبر والإختيار أو كما يسمونها قضية التّسيير والتّخيير فانقسم الخليط الإجتماعي إلى قسمين هما : الأول : وهو الأعم على الجماعات الإسلامية والمأخوذ عليه والمتّبع وهو الإنسان لا يخضع تحت عملية الجبر والتّسيير الإلهي .. بل هو مُخيّرٌ في أفعاله فيرتكب الخطأ والإثم والذنب بنفسه وبإرادته التّامة ولا دخل للّه في ذلك بإجبارٍ أو تسيير . الثاني : فرقة الجبرية " القدرية " وهي فرقةٌ إسلامية ترى بأنّ الإنسان مسيّرٌ ومجبورٌ على أفعاله خيرها وشرها وأنّ القدر الإلهي قدّر عليه ذلك ! وقد عُدّت هذه الفرقة بأنّها فرقةٌ ضالةٌ مضلّةّ لا تقوم على أسسٍ عقليةٍ ولا شرعيةٍ وردت في القرآن أو السّنة النبوية باتفاق جميع الفرق والمذاهب والطوائف الإسلامية .. وقد ابتدعت هذه الضلالة في تسيير وإجبار الإنسان على أفعاله لتبرير ذنوبها ومعاصيها تفعلها كيفما تشاء !!! . خلاصة الرأي في الجبرية : إذا ما قيل بقولهم الباطل هذا في الجبر والتّسيير والقدرية وعدم استحقاق الإنسان للعقاب والحساب لكونه مسيّرًا لا مُخيّرًا يستلزم الآتي : 1/ بأنّ الذات الإلهية القدسية والعياذ باللّه تسمح بالفجور والظلم والقتل والزنا والبهتان وكلّ جرائم الدنيا لكون الإنسان مجبورًا على جرائمه تلك ، ومُقدّرًا عليه بأن يرتكبها !!! . 2/ وعلى هذا الأساس فلا معنى للحساب والعقاب والجّنة والنّار والبرزخ لكونها أُعدّت لمكأفأة المحسن ومعاقبة المجرم . 3/ وهنا ووفق قولهم هذا يستوجب الطعن في مصداقية القرآن الكريم حيث أنّه تحدث في كثيرٍ من السّور عن الحساب والعقاب والثّواب . 4/ فإذا ما زعموا بإيمانهم بالقرآن وماورد فيه جانبهم وخالفهم الصّواب فيما ادّعوا من نفي العقاب .. وإذا ما حدث العقاب فيستلزم هنا ظلم الباري جلّ شأنه لعباده الذين سيّرهم وأجبرهم على الذنوب والجرائم وقدّر عليهم ذلك وفق ما يعتقدونه فلمَ يعاقبهم . أمّا ما ذهبت إليه المعتزلة في حرب صفين باعتزال الفرقتين المتحاربتين جاء ضمن تأويلٍ أيضا فآثروا اعتزال الحرب واعتمدوا تأويلهم في هذا وعلى إثر هذا التأويل يبقى الإثنان علي ومعاوية في نظر المعتزلة من المخطئين ! .. ومن هنا يتضح خطورة التّأويل المقتصر على فكرٍ وتوجهٍ واحد .. وما ستتسبب فيه أحادية القرار وتآويل النّصوص النّبوية أو القرآنية في غير وجهتها الحقيقية مما سيترتب عليه عواقب وخيمة .. نعم التّأويل من جوازات ما كتبه الشعراء والكتّاب في قصائدهم أو مقتطفاتهم الأدبية والتي احتملت فقراتها التّورية البلاغية فهذا يزيد النّصوص الأدبية جمالًا واقبالًا لدى المتلقّي .